ما نعرفه عن تأثير مرض كوفيد على انخفاض القدرات الذهنية ومرض كوفيد
حتى الآن، ما زلنا نجهل الكثير عن مرض كوفيد، خصوصاً في ما يتعلق بتأثيره طويل الأمد. ورغم ذلك، تشير دراسات جديدة إلى وجود ارتباطٍ مُقلق بين مرض كوفيد وتراجع الأداء العصبي على المدى الطويل. يُعاني كثير من مُصابي مرض كوفيد طويل الأمد من الصداع والدوار والتعب وضباب الدماغ، حتى بعد مرور أسابيع على التعافي منه. تشير الأبحاث أيضاً إلى وجود روابط بين مرض كوفيد وارتفاع خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وهو أمرٌ مثيرٌ للقلق بالنسبة للمُسنّين أو أولئك الذين يُعتبرون من ذوي المخاطر الصحية المرتفعة.
إذا كنت تشعر بالتشتّت والدوار حتى بعد تعافيك من مرض كوفيد، فهناك آخرون يعانون مثلك. لكن لا تيأس، حيث سنتناول في هذه المقالة التأثيرات العصبية المحتملة لمرض كوفيد، إلى جانب تقديم أفضل النصائح لمن يعاني من آثار مرض كوفيد طويل الأمد.
من هم مرضى كوفيد طويل الأمد؟
مرضى كوفيد طويل الأمد هم الأشخاص الذين تستمر معاناتهم من أعراض مرض كوفيد حتى بعد مرور أسابيع على تعافيهم. تتضمّن الأعراض الشائعة فيما بينهم مشاكل في الجهاز التنفسي كالسعال المستمر أو ضيق التنفس، إضافةً إلى مشاكل عصبية كالصداع والتعب وفقدان حاسة التذوق أو الشم، والعارض الذي يُعرف اليوم بضباب الدماغ الناجم عن كوفيد.
يُشكّل مرضى كوفيد طويل الأمد مجموعةً متنوعة، ويمكن لأي شخص أن يصبح واحداً منهم بغض النظر عن سنّه. بات من المألوف أن يشعر أحدهم بحالةٍ ضبابية أو بدوارٍ مستمر حتى بعد مرور أسابيع على إجرائه اختباراً سلبياً للفيروس. قد يعاني بعضهم من التعب أو الصداع بسبب فيروس كورونا، بينما لا يزال البعض الآخر غير قادرٍ على تذوّق طعامه المفضل.
ليس من الضروري أن يكون مريض كوفيد طويل الأمد قد زار المستشفى سابقاً. حتى الحالات الخفيفة من المرض من الممكن أن تؤدّي إلى هذه الأعراض المزعجة، وهو ما يُفسّر شعورك بأنك لست على طبيعتك حتى بعد إصابة بسيطة بالفيروس. من غير الواضح بعد سبب معاناة بعض الأشخاص من مرض كوفيد طويل الأمد، بينما لا يعاني آخرون من أي آثارٍ سلبية. وما زال الباحثون يبذلون قصارى جهدهم لفهم عوامل الخطر المتعلقة بالمرض بشكلٍ أفضل.
كيف يُؤثر فيروس كورونا على الدماغ
هل تعلم أن فقدان حاسة الشم عند الإصابة بفيروس كورونا هو في الواقع مشكلة عصبية؟ هذا صحيح، حيث أنّه من الممكن أن يؤثر فيروس كورونا على العصب الشمّي الذي يصل الأنف بالدماغ، ما يُثبّط حاسة الشم لديك، وكان هذا العارض أحد الدلائل المبكّرة على إمكانية تأثير فيروس كورونا على الدماغ. ورغم أننا ما زلنا بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الأبحاث لتحديد كافة التأثيرات العصبية للفيروس، فإن الدراسات الأوّلية كانت قد أشارت إلى وجود ارتباط بين الفيروس وتراجع الأداء الذهني لدى المريض.
في إحدى هذه الدراسات خضعت مجموعة من مرضى كوفيد تتراوح أعمارهم بين 30 و60 عاماً إلى سلسلة من الفحوصات النفسية العصبية لتقييم عددٍ من وظائفهم الذهنية، والتي تتضمن وظيفة الذاكرة وسرعة معالجة المعلومات والوظائف التطبيقية (القدرة على تنفيذ أوامر الدماغ). وبتحليل النتائج، لوحظت معاناة مرضى كوفيد من تراجع وظائفهم الذهنية ومن صعوبة الحفاظ على تركيزهم أثناء إجراء الفحوصات، مقارنة بمجموعة أخرى لم تُصب بالمرض، ويمنحنا ذلك دليلاً على أن “ضباب الدماغ الناجم عن كوفيد” هو ظاهرة حقيقية.
كما زوّدتنا دراسات أخرى بروابط إضافية بين مرض كوفيد والصداع أو السكتات الدماغية، وهذ يمنحنا فهماً أعمق لكيفية تأثير الفيروس على الدماغ.
التهاب الأنسجة ارتباطٌ بمرض كوفيد أيضاً
لم يكن من المفاجئ ظهور مستويات عالية من الالتهاب في دماء مرضى كوفيد، حيث يُعدّ التوذّم والإلهاب من الاستجابات الطبيعية للجهاز المناعي للتهديدات. في الحالات الخفيفة من المرض، يكون الالتهاب مؤشراً جيداً على أن جسمك يتعامل مع التهديد كما يجب، لكن مثل كل شيءٍ في الحياة، فإن التوازن هو المفتاح، حيث من الممكن أن يدمّر استفحال الالتهاب صحتك.
أحد أعراض الإصابة بفيروس كورونا هو “عاصفة السيتوكين”، وهي استجابة مناعية مفرطة تؤدي إلى ارتفاع مستوى الالتهاب. وترتبط عواصف السيتوكين بانخفاض مستويات الأكسجين في الدم وحدوث مشاكل في الجهاز التنفسي ناجمة عن مرض كوفيد. كما ترتبط أيضاً بمشاكل عصبية، مثل ضباب الدماغ، أو التعب، أو الصداع الشديد المرتبط بالإصابة بالفيروس.
كوفيد والسكتات الدماغية
ما زالت أسباب زيادة مرض كوفيد من مخاطر الإصابة بالسكتات الدماغية (جلطات الدم) لدى بعض الأشخاص غير واضحة تماماً بعد، إلا أنه من الممكن أن يكون للالتهابات دوراً في ذلك. لطالما ارتبط الالتهاب المزمن بزيادة مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية، قد يفسّر ذلك كون كبار السن أكثر عرضةً للإصابة بها.
تخيّل طريقين سريعين. أحدهما سهل العبور ومعبّد حديثاً، وخالٍ من الحفر أو العوائق. سيكون تدفّق حركة المرور عبر هذا الطريق يسيرٌ دائماً، وستكون الاختناقات المرورية نادرة الحدوث. أما الطريق الآخر، فهو مليء بالحفر والمطبّات والشقوق، فهذا يجعل حركة المرور عليه صعبةً للغاية حتى إن لم يكن هناك ازدحامٌ مروري. الآن، ما هو الطريق الذي تعتقد أنه سيكون في حالٍ أفضل عندما تهبّ عاصفة ثلجية؟
في هذا المثال، تحلّ الطرق السريعة مكان الأوعية الدموية، ويمثّل تدفق حركة المرور خلايا الدم. وبالطبع، فإن العاصفة الثلجية هي مرض كوفيد. إن ارتفاع مستويات الالتهاب في الجسم يُسهّل عملية تجلط الدم، ما قد يؤدي بطبيعة الحال إلى السكتات الدماغية. وهذا ما يُفسّر أن الذين يعانون من مشكلات صحية بالأصل تكون إصابتهم بمرض كوفيد صعبة للغاية، لأن أجهزتهم المناعية مستنزفة بالفعل نتيجة محاربة مشكلات أخرى.
كيفية مكافحة الالتهاب
تَظهر لدى مرضى كوفيد مستويات أعلى من الالتهاب في دمائهم، وبالتالي، فإن خفض مستويات الالتهاب لديهم من الممكن أن يساعد في مكافحة شدّة المرض. إن اتّباع نظامٍ غذائيٍ صحي إلى جانب ممارسة الرياضة بانتظام والحصول على قسطٍ وافرٍ من النوم وتجنب التوتر، كل ذلك يُبقي مستويات الالتهاب منخفضة، وهو ما قد يساعد مرضى كوفيد طويل الأمد ليشعروا بحالٍ أفضل. يعد تجنب التوتر أمراً أساسياً في هذا الإطار، رغم أن قول ذلك يكون أسهل من تطبيقه في كثيرٍ من الأحيان.
إذا كان الوباء يُشعرك بالتوتر، فهذا حال الكثيرين من الناس. وإذا كانت كل تلك المعلومات والأخبار القادمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسبب لك التوتر، فحاول أن تبتعد عنها قليلاً، واستخدم الـ آيباد الخاص بك للدردشة مع أحفادك، أو تنزّه في الهواء الطلق مع مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي. من المهم أن تبقى دائماً على اطّلاعٍ بمستجدات الأحداث، إلا أنه من المهم أيضاً أن تهتم بصحّتك الذهنية.
هل يمكن أن يساعد اللقاح في علاج مرضى كوفيد طويل الأمد؟
ماذا عن لقاح كوفيد؟ إذا كنت مصاباً بمرض كوفيد طويل الأمد، وتعاني من ضباب الدماغ أو الصداع، فهل يمكن للقاح أن يخفف من معاناتك؟ لسوء الحظ، فإن الإجابة ستكون ربما لا. يعمل اللقاح على تدريب الجهاز المناعي في الجسم من أجل محاربة فيروس كورونا، أي أنه إجراء وقائي من المرض وليس علاجاً له، ولا هو طريقة للتخفيف من التداعيات اللاحقة للفيروس، لكن هذا لا يُعدّ سبباً لعدم أخذ اللقاح.
حتى لو أنك أُصبت بالفيروس من قبل، فإن اللقاح يمكن أن يَحُول دون أن تُصاب به مرة أخرى، الأمر قد يقلّل من مخاطر تعرّضك لآثار جانبية طويلة المدى. وفي حال لم تكن قد أُصبت بالفيروس من قبل، فإن حصولك على اللقاح قد يضمن عدم اضطرارك إلى مواجهة هذه الآثار الجانبية طويلة المدى بالدرجة الأولى.
متى يُصبح من الضروري مراجعة الطبيب حول أعراض كوفيد طويل الأمد
في حال معاناتك من أعراض عصبية طويلة الأمد لمرض كوفيد فمن الضروري زيارة الطبيب، سواء أكانت هذه الأعراض شعوراً مستمراً بالتعب أم ضباب الدماغ أو الدوار أو الصداع أو فقدان حاسة التذوق. إن أي مشكلة تؤثر على نوعية حياتك تستحقّ أن تعرضها على الطبيب.
قد لا يمتلك طبيبك جميع الحلول التي تنتظرها الآن، إلا أنه سيبذل كل ما في وسعه ليساعدك على التعامل مع الأعراض. هناك أيضاً احتمال ألا تكون أعراضك ناجمة عن العدوى بفيروس كورونا على الإطلاق، بل بسبب حالة صحية أخرى. لا تتردد أبداً في طلب المساعدة عندما تحتاج إليها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بصحّتك الذهنية.
الخلاصة
في حين أننا ما زلنا بحاجةٍ إلى مزيد من الأبحاث لتحديد التأثيرات الكاملة لمرض كوفيد، خصوصاً في ما يتعلق بالأعراض طويلة الأمد (يُمكن لأي شخص بغض النظر عن عمره تقليل الأضرار التي قد تنجم عن فيروس كورونا بإجراءات بسيطة كاتّباع نمط حياةٍ صحي والحفاظ على مستويات الالتهاب منخفضة. إن العناية بجسمك من الداخل والخارج أمرٌ في غاية الأهمية ليس فقط لمحاربة مرض كوفيد، بل لأي مشاكل صحية قد تُواجهها.
بإمكانك أيضاً التقليل من فرص إصابتك بالعدوى من خلال الالتزام بتوجيهات مركز السيطرة على الأمراض (CDC) بشأن ارتداء الأقنعة وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي والحصول على اللقاح عندما يمكنك ذلك. قبل كل شيء، يعدّ الحفاظ على هدوئك وتفاؤلك هو أهم ما يمكنك القيام به في مواجهة الوباء. لذا ابذل أقصى جهودك لتبقى في مزاجٍ إيجابي.