العلاقة بين الأمعاء والدماغ
مع انتشار كثير من المعلومات حول “صحة الأمعاء” في الآونة الأخيرة، أصبح من الصعب تمييز الصحيح منها من الخاطئ. تؤكّد البيانات المذكورة في الأبحاث العلمية الحديثة أن صحة الأمعاء أكثر أهمية بكثير مما كنا نعتقد. قد تلعب تريليونات الميكروبات التي تعيش في أمعائك دوراً رئيسياً في الحفاظ على صحتك ويتعامل بعض العلماء الآن مع الميكروبيوم المعوي كجهاز عضوي لا يقل أهمية عن الجهاز التنفسي والدورة الدموية.
تتعايش الميكروبات النافعة في الجهاز الهضمي مع الأجهزة الأخرى في الجسم، وبالتالي، فإن الأمعاء يمكن أن تؤثّر في – أو تَحول دون – العديد من الأمراض والحالات الصحية، حيث ترتبط اضطرابات المناعة الذاتية ومرض ألزهايمر وأمراض القلب والسرطان وحتى الاكتئاب بصحة الأمعاء.
لهذا السبب، تستخدم المراكز المتطوّرة مثل عيادات أڤيڤ نظاماً غذائياً مخصصاً كجزء لا يتجزأ من بروتوكول العلاج الطبي للعملاء الذين يسعون إلى تحسين أدائهم الذهني والبدني، أو التخفيف من الأعراض في حالات صحية مختلفة مثل الفيبروميالجيا ومرض لايم والخرف وإصابات الدماغ الرضحية وضباب الدماغ.
أهمّية الميكروبيوم المعوي لصحتك الذهنية
مع مواصلة العلماء دراسة أدمغتنا المعقّدة، ندرك أن وظائف الدماغ تتجاوز الأدوار المعروفة له لتصل إلى الجسم بأكمله، وخصوصاً الأمعاء. لا يمكننا الحديث عن صحة الدماغ ووظائفه دون التطرّق إلى صحة الأمعاء ووظائفها. ويعد ذلك خبراً ساراً لمن يعاني من اضطرابات عصبية أو نفسية، حيث بات من الممكن أن نجد تفسيراً للحالات الصحية الغامضة والمعقدة في الجهاز الهضمي. فما الذي يحدث تماماً في الأمعاء، وكيف يمكن أن تؤثر على صحتنا العامة؟
ما هو الميكروبيوم؟
تعدّ الأمعاء موطناً لأكثر من 100 تريليون ميكروب، تسمى مجتمعة الميكروبيوم أو بكتيريا الأمعاء (الفلورا).
مع وجود أكثر من 1000 نوع من البكتيريا والفيروسات والفطريات والكائنات الأولية ضمن الميكروبيوم، فإن عددها يفوق عدد الخلايا البشرية بنسبة 10 إلى 1.
تحتوي هذه الكائنات الحية الدقيقة على حمضها النووي الخاص بها أيضاً، وبالتالي، يحتوي الميكروبيوم على 200 ضعف كمية المادة الوراثية الموجودة في خلايانا البشرية. ووفقاً لجامعة واشنطن، “يبدو أن أمراض المناعة الذاتية تنتقل في الأُسر ليس عن طريق وراثة الحمض النووي، ولكن عن طريق وراثة الميكروبيوم الخاص بالأسرة”.
يُعتبر الجهاز الهضمي معبر دخول الكائنات الضارّة إلى الجسم عن طريق الفم، ويساعد الميكروبيوم في محاربتها عن طريق صيانة النظام المناعي في الجهاز الهضمي. يعمل هذا النظام كمرشّح يسمح بدخول العناصر الغذائية ويمنع مسببات الأمراض ويساعدنا على هضم الطعام الذي يمدّ أجسامنا بالعناصر الغذائية الضرورية لها.
هل هناك ميكروبات نافعة وضارّة؟
إذا كانت فكرة وجود التريليونات من البكتيريا في جسمك تخيفك فلا داعي لذلك، تسكن أمعاءَنا البكتيريا المتعايشة أو ما يسمى بالبكتيريا النافعة والميكروبات الأخرى. إن وصف الميكروبات بأن بعضها نافع وبعضها ضار هو أمر مبالغ فيه، فمعظم الميكروبات غير ضارّة، وحتى تلك التي قد تسبب الضرر، فهي لا تفعل ذلك دائماً، وفي بعض الظروف هي ليست ضارّة على الإطلاق، ولكنها قد تتسبب بالمرض في ظروفٍ أخرى. تتواجد الميكروبات الضارة في الأمعاء السليمة بأعداد صغيرة وتُسيطر عليها ميكروبات أخرى.
ما الذي يجعل الأمعاء صحية؟
لا يستطيع العلم حسم الإجابة عن هذا السؤال، لأن الميكروبيوم الخاص بكل شخص فريد من نوعه، ولا يتعلّق الأمر بنوعٍ واحد من الميكروبات أو حتى بمجموعة معينة منها، حيث تختلف الأمعاء الصحية بين شخصٍ وآخر.
تقول الدكتورة إليزابيث هوفمان، طبيبة الأمراض المعدية في مستشفى ماساتشوستس العام: “سيكون من الرائع تحديد 10 أنواع من البكتيريا أو نحو ذلك بأنها البكتيريا التي نحتاجها بشدة، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، ولا يوجد وصفة واحدة تسري على الجميع”.
ما تشترك فيه الأمعاء الصحية لدى الأفراد هو التنوّع، حيث تُستعمر من قبل مجموعة واسعة من الأنواع الميكروبية. يتعلّق تقييم صحة الميكروبيوم بتوازنه واستقراره ضمن بيئة الأمعاء بأكملها، وعند الإخلال بهذا التوازن، من الممكن أن يختلّ التوازن البكتيري وتتعطل وظائفه الطبيعية في الجسم. وبالتالي، يصبح الجسم أكثر عرضةً للأمراض واختلال أنظمته.
ما الذي يتسبب باختلال التوازن البكتيري في الأمعاء؟
هناك العديد من العوامل التي تسبب خللاً في التوازن البكتيري في الأمعاء، سواءً عوامل بيئية مثل التوتر والنظام الغذائي والأدوية كالمضادات الحيوية والأمراض أو حتى الالتهابات المرتبطة بالتقدّم بالعمر. كما يزداد ارتباط حالات عصبية ونفسية متعددة بخلل التوازن البكتيري في الأمعاء. ومن خلال فهم الروابط الجسدية والوظيفية بين الدماغ والأمعاء، يمكننا إدراك تأثير كل منهما على الآخر.
دماغك الثاني
شعور الدغدغة في المعدة هو أحد الأمثلة على العلاقة بين الأمعاء والدماغ، فإذا كنت تعاني من مشاكل في الجهاز الهضمي عندما تكون متوتراً فهذه ليس مصادفة. من الممكن أن تؤثر أفكارنا ومشاعرنا كثيراً على صحتنا من خلال تأثيرها المباشر على جهازنا الهضمي. تنتشر الخلايا العصبية – التي نعتقد أنها موجودة فقط في الدماغ – في الجهاز الهضمي لدينا، وتصل إلى المعدة والأمعاء. مع وجود أكثر من 500 مليون خلية عصبية، يُسمّى الجهاز العصبي المعوي أحياناً بـ “الدماغ الصغير” في أمعائنا. لا تساهم هذه الكتلة العصبية في عمليات التفكير أو الوعي، لكنها جزء من مسار اتصال ثنائي الاتجاه بين الدماغ والميكروبيوم، ويُعرف هذا المسار باسم محور الأمعاء والدماغ.
يتضمن هذا المحور الجهاز النطاقي والجهاز العصبي المركزي، والجهاز العصبي اللاإرادي (الجهاز العصبي الذاتي ونظام الدفاع الفجائي)، والجهاز العصبي المعوي والجهاز المناعي والهرمونات وغيرها. كل ما يدور في بالك من عواطف وسلوك وأفكار يمكن أن يتأثر جزئياً بما يحدث في أمعائك، والعكس صحيح. إذا أردنا أن نفهم الحالات الصحية العصبية، فلا يمكننا دراسة الدماغ فقط. ترتبط أمراض ألزهايمر وباركنسون والاكتئاب والقلق وحتى التحفيز والوظائف الذهنية العليا بميكروبيوم الأمعاء، والذي يمثل بدوره مجالاً لمزيد من الأبحاث التي قد تتوصل إلى علاج لهذه الحالات المثبّطة لجودة أدائنا.
كيف تؤثر الأمعاء على الدماغ؟
أحد الأدوار الأساسية للأمعاء هو إنتاج وتدوير الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين والنورإبينفرين. يُنتج ما يصل إلى 95% من السيروتونين في الأمعاء التي تحافظ أيضاً على سلامة الغشاء المخاطي المعوي، والذي يعمل بدوره كمرشح لمنع دخول ما يضر الجسم مع السماح بدخول العناصر الغذائية. إذا تعطّل هذا الحاجز، يمكن للأجسام الغازية أن تتسلل إلى الجسم وتعزّز الالتهابات وتُفاقم العديد من اضطرابات المناعة الذاتية. تنتج بكتيريا الأمعاء أيضاً مُستقلَباً يسمى الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من الاتصال بين الأمعاء والدماغ. عندما يتعطل هذا الاتصال فقد يساهم في اضطرابات الجهاز العصبي، بدءاً من اضطراب النمو العصبي إلى أمراض التنكّس العصبي.
تحتوي الميكروبات الموجودة في أمعائنا على مستقبلات على سطحها وظيفتها التفاعل مع الناقلات العصبية المنتَجة في الدماغ. يمكن أن يؤثر التوتر مباشرةً على الناقلات العصبية لديك، والتي يمكن أن تؤثر أيضًا على بكتيريا الأمعاء وأماكن توطّنها. يمكن أن يؤدي التوتر أيضاً إلى تغيير الكتلة الإجمالية للميكروبات ومكوّناتها، وهو عامل مهم في صحة الأمعاء بشكل عام.
قد يتحكم محور الأمعاء والدماغ في مستوى التوتر ويستجيب له من خلال محور الغدة الكظرية النخامية، والذي يتضمن هرمونات مثل الكورتيزول. تقول إحدى نظريات الاكتئاب “إن فرط نشاط محور الغدة الكظرية النخامية غالباً ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الكورتيزول. يمكن أن يؤثر الدماغ أيضاً على الأمعاء عن طريق تغيير أماكن توطّن الميكروبيوم، ويشمل ذلك الإفرازات المخاطية في الأمعاء وتغيير سرعة حركة الأمعاء وظروف بيئية أخرى، ويمكن أن يؤثر بشكل مباشر أيضاً على ما يدخل إلى جسمك، وعلى وظيفتك المناعية.
حافظ على صحة أمعائك، لتحافظ على صحة جيدة
إليك بعض النصائح:
النظام الغذائي: أهم ما في النظام الغذائي هو التنوع. تناول مجموعة متنوعة من الأغذية للحفاظ على صحة الميكروبيوم لديك.
التوتر: حاول السيطرة على مستويات التوتر لديك. عندما تتوتر فإن الميكروبيوم لديك يكون متوتراً أيضاً. إن القول أسهل من الفعل بالتأكيد، لكن من الضروري المحاولة.
المضادات الحيوية: رغم فائدتها في مكافحة العدوى الناجمة عن البكتيريا الضارة، إلا أنها غالباً ما تقتل بعض البكتيريا الجيدة في أمعائك. لقد ثبت أن المضادات الحيوية تؤدي إلى اختلال التوازن البكتيري في أجسامنا.
البروبيوتيكس والبريبايوتكس (المعززات الحيوية ومغذياتها): تعمل البروبيوتيكس والبريبايوتكس معاً. تحتوي الأولى على بكتيريا جيدة يمكنها تصحيح اختلال التوازن البكتيري في الأمعاء، وقد تعمل أيضاً على تحسين الاكتئاب والتوتر بعد 30 يوماً فقط من تناولها. أما البريبايوتكس فهي عبارة عن كربوهيدرات صحية وألياف من الفواكه والخضروات تساعد على تغذية البروبيوتيكس. إذا كان نظامك الغذائي متنوعاً، فغالباً ما يكون ذلك أفضل لصحتك.
الخلاصة:
أوضح الكشف عن محور الأمعاء والدماغ أن الأفكار والمشاعر، إلى جانب البيئة العامة والخبرات الشخصية، كلها تلعب دوراً في صحة الأمعاء لديك، وقد تؤثر في صحتك العامة بشكلٍ مباشر.
تقدّم عيادات أڤيڤ بروتوكول علاج فعال للغاية ويعتمد على الدراسات البحثية لتعزيز أداء الدماغ وتحسين الأعراض الذهنية والجسدية لحالات مثل إصابات الدماغ الرضحية والفيبروميالجيا ومرض لايم والخرف. يُستخدم بروتوكول العلاج المركّز لبرنامج أڤيڤ الطبي العلاج بالأكسجين عالي الضغط، ويتضمن الإرشاد الغذائي ودعم اختصاصي التغذية لتحسين نظامك الغذائي من أجل صحة أفضل للدماغ. استناداً إلى أكثر من عقد من البحث والتطوير، يعد برنامج أڤيڤ الطبي شاملاً ومخصصاً لتلبية احتياجاتك. تواصل معنا لمعرفة المزيد.